فصل: مسألة حلف الإنسان في الشيء الواحد يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حلف على رجل إن أدخلت فلانا بيتك لا أدخل لك بيتا سنة:

قال مالك: وسئل عن رجل حلف على رجل إن أدخلت فلانا بيتك لا أدخل لك بيتا سنة وحلف بالحرية، ثم إن الحالف أراد أن يدخل الرجل منزله الذي كان حلف عليه ألا يدخله، وأبى الذي حلف عليه أن يدخله، فقال: إذا أدخله رأيته قد حنث إلا أن يكون استثنى إلا برضاي، فإن أدخله ولم يكن استثنى إلا برضاي فقد حنث.
قال محمد بن رشد: هذا بين أنه يحنث إن أدخله المحلوف عليه برضى الحالف لأنه أبهم يمينه فعمت رضاه وسخطه، فوجب أن يحنث إن أدخله برضاه إلا أن يكون استثنى فقال: إلا برضاي متصلا يمينه محركا بذلك لسانه على المشهور في المذهب، أو يكون كان أراد أن أدخله بيته بغير رضاه ونوى ذلك بنية عقد عليها يمينه، فينفعه ذلك وتكون له نيته ولا يحنث أيضا إن أدخله برضاه وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا تدخلي بيت أمك:

وسئل عن رجل قال لامرأته: أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا تدخلي بيت أمك أو أهلك ثم أراد أن يأذن لها بذلك، فقال: يكفر كفارة يمين يطعم عشرة مساكين ويزيد أحب إلي على ذلك يتقرب إلى الله تعالى، «وقال أبو لبابة حين أصاب الذنب لرسول الله: أجاورك وأنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يجزيك من ذلك الثلث». وقال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] الآية. وقال على إثر هذا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
قال محمد بن أحمد: قول الرجل أعاهد الله ألا أفعل كذا يمين كفارتها كفارة اليمين، له أن يحنث ويكفر إن شاء، كقوله: علي عهد الله لا أفعل كذا سواء عند مالك، ولم ير ما زاده في اليمين بالعهد من قوله عهدا مما لا أخيس به مما يخرج به اليمين عن حكم اليمين إلى حكم العهد الذي يخرج مخرج المعاقدة والمعاهدة فلا يكون له مخرج إلا الوفاء به، ويكون أعظم من أن يكون فيه كفارة وأن يأذن لها ويكفر كفارة يمين، واستحب أن يزيد على ذلك تقربا لله لحلفه على منع أهله من دخول بيت أمها وأهلها لما في ذلك من قطع ما أمر الله بوصله من صلة الرحم حيث يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] يريد أن تقطعوها على ما جاء في تفسير الآية، فرأى ذلك ذنبا، واستحب له الصدقة من أجله لما جاء فيها من أنها تكفر الذنوب، واستدل على استحباب الصدقة لها زيادة على الكفارة بما ذكره من حديث أبي لبابة حين أصاب الذنب إلى سائر ما ذكره في الرواية، ومما وكد الإثم عليه عنده في حلفه على امرأته ألا تدخل بيت أمها وأهلها استلحاحه على منعها من ذلك أبدا بقوله عهدا لا أخيس عليه به لأن معنى لا أخيس به لا أرجع فيه بأن آذن لها وأكفر على ما ندب إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليفعل الذي هو خير وليكفر عن يمينه»، ومما يدل على أنه أثم في يمينه ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من استلحح على امرأته فهو أعظم إثما» يريد من غيره من الحالفين على ما سوى ذلك والله أعلم، وقد روى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم في هذا رواية شاذة خارجة عن الأصول.
قال: سئل ابن القاسم عمن قال علي عهد الله عهدا لا أخيس به إن أذنت لامرأتي، قال: ليس في هذا كفارة، قيل له: هذا أعظم لأنه قال: لا أخيس به قال برأسه نعم. وإنما قلنا فيها: إنها خارجة عن الأصول لأنه يلزم على قوله فيها أن هذه اليمين أعظم من أن تكون فيها كفارة إلا أن للحالف بها أن يحنث نفسه فيها بالإذن لامرأته، وذلك باطل لاسيما إن كان حلف ألا يأذن لها فيما يلزمه الإذن لها فيه، ويكون في الإصرار على الامتناع من ذلك عاصيا أو قاطعا الرحم. وقد روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من حلف على قطيعة رحم أو معصية فحنث فذلك كفارة»، يريد والله أعلم كفارة من الذنب، وعليه كفارة يمين، وإنما العهد الذي يكون أعظم من أن يكون فيه كفارة ما خرج مخرج المعاهدة على ما يسأل الرجل إياه فيقول لك: عهد الله أن أفعل لك ما سألتني إياه، فهذا الذي لا يحل إلا الوفاء بما عاهد الله لصاحبه عليه، وهذا بين كله، والحمد لله.

.مسألة حلف أحدهما بمشي إلى بيت الله إن بنى معه في منزله لبنة على لبنة:

قال: وسئل عن رجلين كان بينهما منزل فوقع فيه شيء فحلف أحدهما بمشي إلى بيت الله إن بنى معه فيه لبنة على لبنة، أترى من ذلك إن بنى الجدار بينهما في القسم. فقال ذلك إلى نيته إن كان أراد إلا جدار القسم فذلك له وإن لم يكن أراد شيئا فهذا بنيان ويخرجه من يمينه أن يمشي إلى بيت الله. قال أشهب: لا يجوز ذلك إلا أن يكون تكلم بلسانه في استثنائه.
قال محمد بن رشد: قول أشهب إن الاستثناء بإلا لابد فيه من تحريك اللسان هو المشهور في المذهب، وكذلك سائر حروف الاستثناء، وقد مضى ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وأما الاستثناء، بإن وبإلا أن، فحكى ابن المواز أنه لابد من تحريك اللسان فيه باتفاق، وقد مضى القول في ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم أيضا، وإن دعا المحلوف عليه الحالف إلى أن يبني معه جدارا بينهما لم يلزمه ذلك إلا أن يشترطاه في قسمتهما، ويقال له: استر على نفسك في حظك، وإن اشترطاه لزمهما، وأخذ من حظ كل واحد منهما نصف بنائه، وكانت النفقة بينهما بنصفين إلى أن يبلغ حد السترة إن لم يشترطا في ذلك حدا، وسواء كانت أنصباؤهما متفقة أو مختلفة، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في أجرة القسام أن كانت تكون على قدر الانصباء أو على عدد الرؤوس.

.مسألة جعل على نفسه طعام مساكين فأراد أن يطعم كل مسكين خمس ثمرات:

وسئل عمن جعل على نفسه طعام مساكين، فأراد أن يطعم كل مسكين خمس ثمرات. فقال: ما هذا وجه إطعام المساكين إلا أن يكون نوى ذلك فأرى ذلك له وإن لم يكن نوى شيئا فأرى أن يطعم كل مسكين مدا بالمد الأصغر. قال عز وجل: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] وليس فيه تسمية كم يطعم كل مسكين؟ فكان هذا لكل مسكين فأرى أن يطعم كل مسكين مدا بالمد الأصغر.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا ينبغي أن يبر بإطعام خمس ثمرات لكل مسكين إذ ليس وجه ما حلف عليه إلا ما يرد جوعه إن كان جائعا، فلا يبر بأقل مما يعينه على الغداء أو العشاء، وليس قياس ما يبر فيه في اليمين على كفارة اليمين بواجب عند مالك، وإنما ذلك استحسان منه، والله أعلم لأن الله تعالى قد وصف قدر الإطعام فيها بقوله: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] فلذلك كان مدا لكل مسكين، ألا ترى أن ما كان من الإطعام لم يوصف قدره في القرآن لم يجز فيه مد واحد كفدية الأداء فوجب أن يقاس ما يبر به في اليمين على ما في القرآن لكان الأولى أن يقاس على فدية الأداء التي سماها الله في القرآن صدقة، ولم يصف قدرها فيه فلا يبر بأقل من مدين لكل مسكين، فالصحيح أنه إذا لم يكن للحالف نية أن يبر بما يرد به جوع المسكين غداء أو عشاء كما قلناه؛ لأنه أقل ما يقع به الانتفاع للآكل، وسيأتي في سماع سحنون ما يبر به من حلف بصدقة ولم تكن له نية، وهو يبين ما ذهبنا إليه إذ لم يرد ذلك إلى ما في القرآن، وبالله التوفيق.

.مسألة الحلف على ما لا يملك:

وكان ابن مسعود يشير إلى الشيء فيقول: ما أحب أن أقسم لا لمحمد هذا لأن البلاء موكل بالقول.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القلوب بيد الله هو مالكها ومقلبها، وقد «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرا ما يحلف لا ومقلب القلوب» فالحالف على ذلك حالف على ما لا يملك متجرئ على الله في يمينه على ما يملك دونه فلا يأمن بأن يعاقبه الله بأن يريه عجزه عما حلف مما لا يملكه.

.مسألة حكم الحلف بالله:

وكان عيسى ابن مريم يقول: يا بني إسرائيل إن موسى كان ينهاكم أن تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون، ألا وإني أنهاكم أن تحلفوا بالله كاذبين أو صادقين.
قال محمد بن أحمد: ظاهر قول عيسى ابن مريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أن شرعه مخالف لشرع موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ قبله في إباحة الحلف بالله على الصدق ومخالف لشرعنا أيضا لأن الله تعالى أمر نبيه، عَلَيْهِ السَّلَامُ بالحلف باسمه تعالى في غير ما آية من كتابه، فقال: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53]، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3]، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7]. «وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرا ما يحلف: لا والذي نفسي بيده»، «ولا ومقلب القلوب»، ولا وجه لكراهة ذلك لأن القصد إلى الحلف بالشيء تعظيم له، فلا شك أن في ذكر الله تعالى على وجه التعظيم له أجر عظيم، ويحتمل أن يكون عيسى ابن مريم عَلَيْهِ السَّلَامُ إنما كره لهم اليمين بالله صادقين مخافة أن يكثر فيهم فيكون ذريعة إلى حلفهم بالله على ما لم يقولوه يقينا أو يواقعوا الحنث كثيرا ويقصروا في الكفارة فيواقعوا الإثم من أجل ذلك لا من أجل اليمين، وبالله التوفيق.

.مسألة نذرت لتسيرن إلى مسجد الرسول فماتت قبل أن تقضي ذلك:

وسئل عن امرأة نذرت لتسيرن إلى مسجد الرسول فماتت قبل أن تقضي ذلك هل يقضي ذلك عنها أحد؟ قال: لا يصلي أحد عن أحد، قيل له: ما ترى؟ قال: ما مسيرة ذلك إلى المدينة؟ قال: خمس ليال، قال: فأرى أن تتصدقوا عنها وما زادوا في الصدقة فهو خير، قالوا له: فكم؟ فقال: إني أريد أن أقدر كراها وزادها مقبلة ومدبرة، ولقدومها مثله فيتصدق بذلك عنها.
قال محمد بن أحمد: ولا يلزم ورثها ذلك إلا أن توصي بذلك، أو بأن يقضى عنها الواجب عليها في نذرها، وكذلك لو كان نذرها بالمشي إلى مكة فأوصت أن يقضى عنها الواجب عليها في ذلك، لوجب أن يخرج عنها من ثلث ما لها قدر الكراء والنفقة إلى مكة لا غير ذلك، يجعل في هدايا؛ لأن الهدايا لمكة أفضل من الصدقة، قاله في سماع سحنون من كتاب الحج، وقد مضى في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم منه القول فيما إذا أوصت أن يمشي عنها فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف وهو بالريف ألا يكلمه حتى يرجع من مكة فرجع فلقيه بالفسطاط:

من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها مسألة قال عيسى: وقال ابن القاسم في أخوين يسكنان الريف فأراد أحدهما الخروج إلى مكة فحلف الآخر وهما بالريف ألا يكلمه حتى يرجع من مكة، فرجع فلقيه هاهنا بالفسطاط فأراد أن يكلمه، قال: لا يكلمه حتى يرجع إلى الريف، وقال: أرأيت لو لقيه بالجحفة أكان يكلمه؟.
قال محمد بن أحمد: في كتاب ابن المواز: إن كلمه بالفسطاط فلا شيء عليه إلا أن يكون نوى موضعه، وقول ابن القاسم هو الذي يوجبه النظر والقياس؛ لأن مقتضى يمينه ألا يكلمه حتى يرجع إلى المكان الذي كان معه فيه حين حلف، وما في كتاب محمد بن المواز استحسان يقرب ما بين الموضعين كنحو ما في سماع أبي زيد في الذي يقول: إن قضى الله عني مائة دينار فعلي صيام ثلاثة أشهر، فقضاها الله عنه إلا دينارا ونصفا فصام الثلاثة الأشهر، ثم قضى الله عنه الدينار والنصف أن صيامه يجزيه على ضعف، ولو حلف وهو معه بمكة ألا يكلمه حتى يرجع من حجه فكلمه بعد رجوعه من مكة بالطريق قبل أن يصل إلى بلده ولا نية له يجزي في ذلك على الاختلاف في المتمتع لا يجد الهدي فيصوم السبعة الأيام التي قال الله فيها: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] في الطريق قبل أن يصل إلى بلده، وقد ذكرنا ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الحج.

.مسألة رجل قال مالي هدي:

وقال في رجل قال: مالي هدي، قال: يهدي ثلثه وتكون النفقة عليه وكل شيء حتى يبلغه من غير الثلث، وذلك أني سمعت مالكا، وسئل عن الذي يجب عليه صدقة ماله وهو بموضع ليس فيه مساكين، فقال: يحمله إلى المساكين ويكري من عنده حتى يبلغه، فمسألتك مثل هذه، وقال: من قال: إبلي هدي قال: يكون عليه أن يبلغها ولا يبيع منها شيئا.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي قال مالي هدي إن النفقة على الثلث الذي يلزمه إهداؤه منه يكون من غير الثلث صحيح في القياس والنظر، ولا إذ لو سمى الثلث فقال: ثلث مالي هدي لوجب عليه أن يهدي جميع ثلث ماله ينفق عليه من غيره؛ لأنه أوجبه هديا، والهدي لا يكون إلا بالغ الكعبة كما قال تعالى، فكذلك إذا لم يسم الثلث وقال: جميع مالي، وأما إذا قال: عبدي هذا أو إبلي هدي فالأمر في أنه يجب عليه أن يبلغها ولا يبيع منها شيئا واضح بين لا إشكال فيه، وقال في الذي يجب عليه صدقة ماله وهو في موضع ليس فيه مساكين أنه يحمله إلى المساكين ويكري عليه من عنده حتى يبلغه، ولم يبين إن كانت صدقة أوجبها على نفسه مثل أن يقول: لله علي أن أتصدق بهذا الطعام أو صدقة زكاة ماله، فأما إن كانت صدقة أوجبها على نفسه فبين أن عليه أن يوصلها إلى المساكين من ماله؛ لأن ذلك مقتضى نذره، كمن قال: إبلي هدي أن عليه أن يوصلها إلى الكعبة، وأما إن كانت صدقة زكاة ماله فلا يلزمه ذلك، وإنما يؤمر به استحبابا لأن الله قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فالواجب أن تؤخذ منهم الزكاة في مواضعهم ولا يكلفون حملها، فإذا لم يأخذها منهم الإمام ولا بعث فيها إليهم جاز لهم من الكراء عليها منها ما يجوز للإمام، وقد مضى في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب زكاة الحبوب ما فيه بيان هذا.

.مسألة قال لرجل امرأته طالق إن كلمه إلى الصدر:

قال: وسئل عن رجل قال لرجل امرأته طالق إن كلمه إلى الصدر أي الصدرين فكلمه، قال: آخر الصدرين، فإن كلمه في الصدر الأول فلا شيء عليه، الصدر الأول لمن تعجل في يومين، قيل له: فإن قال: إن لم أكلم فلانا في الصدر فامرأته طالق. قال: يكلمه في الصدر الأول، فإن لم يفعل حتى الصدر الآخر فلا شيء عليه.
قال محمد بن أحمد: ساوى بين الصدرين في وجوب البر والحنث لأن الله خير بينهما فجعلهما بمنزلة سواء، وفرق بينهما فيما يأمره به من البر والحنث ابتداء لأن ذلك أنزه لنفسه وأبلغ في علم البراءة من يمينه، والله أعلم.

.مسألة حلف ألا يأكل طعام رجل فتسلف منه قمحا فأكله:

وعن رجل حلف ألا يأكل طعام رجل فتسلف منه قمحا فأكله، قال: أرى أن ينوى، فإن كان أراد وجه ما يمن به عليه يهبه له أو يصله به ولم يرد وجه أن يبتاع أو يتسلف فلا شيء عليه، وإن لم تحضره نية في الابتياع والسلف فهو حانث.
قال محمد بن رشد: قوله: إن لم تكن له نية في الابتياع والسلف فهو حانث في السلف يدل أنه حانث أيضا في البيع عنده إن لم تكن له نية فيه، وذلك بين إذ لا فرق بين البيع والسلف في انتقال الملك إليه بكل واحد منهما، فإذا لم تكن له نية أصلا وجب أن يحنث بكل واحد منها، كما لو كانت يمينه لرداءة مكسبه وأما إذا كانت يمينه لمنة عليه فلا حنث عليه في الاشتراء إذا لم يحابه، ويحنث في السلف. وقال يحيى بن عمر: أخاف عليه فيه، وحنثه به بين، ألا أن تكون يمينه خرجت منه على منة مما سواه من الهبة والصدقة وإطعام الطعام، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لرجل ليقضينه حقه إلى أجل إلا أن يؤخره رسوله:

وقال ابن القاسم في رجل حلف لرجل ليقضينه حقه إلى أجل إلا أن يؤخره رسوله أو يؤخره، فلما حل الأجل أبى صاحب الحق أن يؤخره فأخره رسوله، قال: إذا أخره رسوله فلا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: حكى يحيى أن أبا زيد روى عن ابن القاسم أنه لا يجوز تأخير رسوله إذا أبى صاحب الحق أن يؤخره. قال يحيى في الرواية الأولى على أن الحالف ينتفع بتأخير الرسول في ألا يجب عليه الحنث إذا لم يقضه حتى حل الأجل، ولم يقل إن تأخيره إياه يلزم صاحب الحق إذا أبى أن يؤخره إذ لا يصح أن يقال ذلك؛ لأنه معروف يصنعه في مال صاحب المال وهو كاره له، وتكلم في الرواية الثانية على أن تأخيره إياه لا يجوز عليه ولا يلزمه، ولم يقل إن الحالف يحنث إذا لم يقضه حتى حل الأجل إذا كان قد أخره؛ إذ يبعد أن يقال ذلك؛ لأنه قد استثنى في يمينه تأخير رسوله، ولم يشترط أن يكون ذلك برضاه، فهو يحمل على عمومه إلا أن يقر على نفسه أنه أراد أن يؤخره رسوله برضاه فيلزمه ذلك ويحنث إن لم يقضه حتى حل الأجل إلا أن يؤخره هو أو رسوله برضاه وهذا بين، والله أعلم.

.مسألة حلف الإنسان في الشيء الواحد يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين:

ومن كتاب العرية:
مسألة قال سفيان بن عيينة التوكيد والله، ثم والله ثم والله.
قال محمد بن أحمد: هذا قول مالك وجميع أصحابه إن التوكيد حلف الإنسان في الشيء الواحد يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين، وكفارته كفارة واحدة مثل كفارة اليمين، وما روى مالك عن ابن عمر في الموطأ من أنه كان يقول من حلف بيمين يؤكدها ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين، ومن حلف بيمين فلم يؤكدها ثم حنث فعليه لكل مسكين مد من حنطة، وهو استحسان منه دون إيجاب، بدليل قوله فيه إنه يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين مد من حنطة لكل مسكين، وكان يعتق إذا وكد اليمين ولا اختلاف في ذلك؛ لأن الله خير الحالف في تكفير يمينه بين الإطعام والكسوة والعتق ولم يخص تأكيدا من غيره وقوله عز وجل: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] معناه في المعاهدة في الواجب، يقول أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا عهدكم بعد تأكيدها {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: 91] بما التزمتم من دينه والسمع والطاعة لنبيه، عَلَيْهِ السَّلَامُ.

.مسألة قال كل شيء له حر إن وضعت ابنته عن زوجها شيئا من مهرها:

وقال في رجل استأذنته ابنته في أن تضع عن زوجها مهرها، فقال لها: كل شيء له حر وامرأته طالق وماله صدقة وعليه المشي إلى بيت الله إن وضعته عنه إن حضرت لك فرحا أو حزنا، فقالت له: والله لقد تصدقت به عليه منذ سنين، وشهد أربع نسوة على الصدقة بذلك عليه منذ سنتين، قال: ما أرى عليه حنثا إلا أن يكون أراد إن كانت وضعت ذلك عنه، وإن كان لم يرد إلا فيما يستقبل فما أرى عليه شيئا إذا استيقن أنها وضعت ذلك عنه قبل يمينه.
قال محمد بن أحمد: وإن لم تكن له نية في مضي أو استقبال فلا حنث عليه لأن يمينه على الاستقبال الذي حلف عليه حتى يريد غيره، ومثله في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب العتق، وقوله في آخر المسألة فما أرى عليه شيئا إذا استيقن أنها وضعت ذلك قبل يمينه وهو قد قال: إن الصدقة قد شهد عليها أربع نسوة منذ سنتين يدل على أن الاستقبال في ذلك لا يكون بشهادة النساء. وقد حكى محمد بن سحنون أن هذه الرواية ذكرت لأبيه فسر بها، وقال: لا يستيقن ذلك بالنساء ولكن بشاهدي عدل، وقد مضى هذا المعنى في رسم الأقضية من سماع أشهب، والله تعالى هو الموفق.

.مسألة هل يكسى الصغار أو يطعمون من الكفارات:

ومن كتاب أوصى لمكاتبه:
مسألة قال:
وسألته هل يكسى الصغار أو يطعمون من الكفارات، قال مالك: نعم يكسون ويطعمون في الكفارات، ولكن إنما يطعمون ويكسون مثل ما يطعم الكبار ومثل ما يكسون، إن أطعمهم أعطاهم من الطعام مثل ما يعطي الكبار، وإن كان إنما يصنع لهم طعاما يغذيهم ويعشيهم فلا يجوز له أن يغذي ويعشي إلا الكبار، قلت له: فإن غذى وعشى هل له أن يعطي الصغار من الخبز واللحم وما يطعمهم مثل ما يطعمهم بقدر ما يأكل كل رجل منهم كبير فيعطي الصغير قدره، قال: نعم، وأما الكسوة فإنه إن كسا الصبيان الصغار فإنه لا يجوز له أن يعطيهم أقمصة صغارا ولكن يعطي كل صغير منهم قميصا كبيرا مثل ما يعطي الكبير، فإن كسا الجواري الصغار كسا كل واحدة منهن درعا وخمارا كبيرا، مثل كسوة الكبيرة، والكفارة واحدة لا ينقص منها للصغير ولا يزاد فيها للكبير.
قال محمد بن أحمد: قوله إن أطعم الصغار أعطاهم من الخبز واللحم قدر ما يأكل الكبار معناه إذا كانوا قد بلغوا أن يأكلوا الطعام، قاله ابن القاسم عن مالك في كتاب الظهار من المدونة، وابن المواز أيضا، وليس إطعامهم اللحم بواجب، ويجزئ ما دونه من أدم البيت، وقوله إن كسا الصغار فإنه لا يجوز له أن يكسوهم أقمصة صغارا هو نحو قول محمد بن المواز من رأيه، خلاف ما حكي عن ابن القاسم من أنه لم يكن يعجبه كسوة الأصاغر بحال، وكان يقول: من أمر بالصلاة منهم فله أن يكسوه قميصا مما يجزئه، ومعنى ذلك إذا لم يقصد إليهم لصغرهم كي تخف عنه الكفارة، وإنما تحرى الصواب وقصد الحاجة فكان فيمن علم منهم صغير قد أمر بالصلاة فيراه أحق من غيره لشدة مسكنته فيكسوه على هذه الرواية قميصا مما يجزئه، ولعله أن يكون في كبر ثيابه وطول قامته وإن كان قريب الاثغار تقرب كسوته من كسوة الكبار. قال ابن حبيب: إنه إن كسا الصبايا الصغيرات اللواتي لا صلاة عليهن كساهن درعا بغير خمار، ومثله حكى ابن المواز في كسوة الصغار عن أشهب، ومعناه ذلك على ما فسرنا به مذهب ابن القاسم في كتاب ابن المواز في كسوة الصغار، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لينتقلن وانتقل وترك من السقط ما لا حاجة له به:

ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
مسألة قال: وسمعته يقول في رجل حلف لينتقلن وانتقل وترك من السقط ما لا حاجة له به مثل الوتد والمسمار والخشبة وما أشبه ذلك فتركه، قال: لا شيء عليه.
قال محمد بن أحمد: أما إذا تركه رافضا له على ألا يعود إليه فلا اختلاف في أنه لا حنث عليه بتركه واختلف إن تركه ناسيا ففي كتاب ابن المواز أنه لا حنث عليه، وما في سماع عبد المالك بن وهب أنه يحنث بتركه ناسيا، وإما إذا تركه على أن يعود إليه فيأخذه فإنه حانث إلا على مذهب أشهب الذي يقول إنه لا يحنث بترك متاعه كله إذا انتقل بأهله وولده لأنه إذا انتقل بأهله وولده فليس بمساكن وإن بقي متاعه، وقول ابن القاسم أظهر لأنه لا يسمي من خرج من الدار بأهله وولده وترك فيها متاعه منتقلا عنها وإنما يسمى خارجا عنها بأهله وولده، والله أعلم.

.مسألة استخان رجلا وهو معه في سفر فقال احلف لي أنك لم تخني:

وسألته عن الرجل استخان رجلا وهو معه في سفر، فقال: احلف لي أنك لم تخني فحلف له أنه ما خانه منذ صحبه وهو يريد منذ صحبه في سفره هذا ولم يحرك به لسانه وقد كان صحبه في أسفار قبل ذلك وخانه فيها فقال: ما أرى عليه إذا كان لذلك سبب مثل أن يقول: إنما استخانه في سفره ذلك، يقول: خنتني في هذا القمح وهذا الشيء فاستحلفه ولم يكن هو ابتداء باليمين متطوعا من عنده من غير أن يسأله ذلك، فإنه إن ثبتت خيانته التي خانه في غير سفره ذلك وعلى يمينه بينة فادعى هذه النية كان ذلك له ولا يطلق عليه القاضي إذا كان الأمر على ما وصفت من سببه ووجهه وأراها نية وليست ثنيا إذا قال هذا، قال أصبغ: وذلك رأيي كله.
قال محمد بن أحمد: قوله ما أرى عليه شيئا إذا كان لذلك سبب مثل أن يكون إنما استخانه في سفره ذلك يريد ما أرى عليه حنثا بما حلف به من الطلاق لأنه مصدق فيما ادعاه من النية على أصولهم وإنما وجب أن يصدق في النية مع يمينه على ذلك، وإن كانت مخالفة لظاهر لفظه لأجل البساط الذي خرجت عليه يمينه وهو استخانته إياه في ذلك السفر ولو حلف بالطلاق ابتداء على غير بساط أنه ما خانه منذ صحبه فلما شهد عليه أنه قد خانه في غير هذا السفر ادعى أنه نوى منذ صحبه في سفره هذا لم يصدق، كمن حلف أنه ما كلم فلانا بالطلاق فلما شهد عليه أنه كلمه أمس، قال: إنما نويت أني ما كلمته اليوم، أو حلف ألا يكلم فلانا بالطلاق فكلمه بعد ذلك، وقال: نويت اليوم أو شهرا أنه لا ينوى في شيء من ذلك ولا يصدق فيما ادعاه وهذا ما لا اختلاف فيه في المذهب، وقوله: لم يكن هو ابتداء باليمين متطوعا من عنده من غير أن يسأله ذلك يدل على أنه لو تطوع له باليمين لم ينو وإن كانت يمينه خرجت على سبب استخانته إياه، ولزمه الطلاق على نية المحلوف له، وذلك يأتي في مثل قول أصبغ في سماعه بعد هذا، ومثل ما في سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق أن اليمين على نية المحلوف له إن كان الحالف متطوعا باليمين وعلى نية الحالف إن كان مستحلفا خلاف قول ابن الماجشون وسحنون، وقد مضى تحصيل الخلاف في هذه المسألة في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، ومعنى قوله وأراها نية وليست ثنيا أنه لو كانت ثنيا لم ينفعه إلا أن يحرك لسانه على المشهور في المذهب، وقد مضى ذلك في رسم الجنائز من سماع أشهب وفي رسم شك من سماع ابن القاسم وغيره.

.مسألة حلف على أمر ألا يفعله إلا أن يقضي الله عز وجل غير ذلك:

وقال فيمن حلف على أمر ألا يفعله إلا أن يقضي الله عز وجل غير ذلك: هذا ليس ثنيا أو يريد الله غير ذلك كذلك أيضا ليس ثنيا. قال عيسى: هو في اليمين بالله ثنيا وهو مثل قوله إن شاء الله. وقوله: إلا أن يريني الله غير ذلك ثنيا.
قال محمد بن أحمد: قال عيسى بن دينار: إن الاستثناء في اليمين بالله بإلا أن يقضي الله أو يريد الله استثناء مثل إلا أن يشاء الله وهو الذي يوجبه القياس والنظر الصحيح لأن قضاء الله ومشيئته وقدره هي إرادته فلا فرق بين الاستثناء بقدر الله وقضائه ومشيئته وإرادته، وجه قول ابن القاسم أن الحالف بالله ألا يفعل فعلا أو ليفعلنه قد علم أنه لا يفعله ولا يترك فعله إلا بقضاء إلا وقدره وإرادته ومشيئته فعلى ذلك انعقدت يمينه، وهي نيته وإرادته إذا كان من أهل السنة، فكان الأصل إذا وجبت عليه الكفارة بالحنث ولم ينفعه ما نواه من ذلك كله ألا ينفعه الاستثناء بشيء منه وأن يكون لغوا إذ لا زيادة فيه على ما نواه وعقد عليه فخرت من ذلك الاستثناء بمشيئة الله بالسنة والإجماع وبقي ما سواه على الأصل في ألا يسقط الكفارة الواجبة بالحنث، والله تعالى الموفق. وقول عيسى في قوله إلا أن يريني غير ذلك ثنيا صحيح إذ لا فرق بين ذلك وبين أن يقول إلا أن أرى غير ذلك وهو قول ابن القاسم، وفرق أصبغ بينهما في كتاب ابن المواز فلم ير قوله إلا أن يريني الله غير ذلك أنه ثنيا وليس قوله بشيء ولا وجه له.